الأكراد وأهل مشورتهم
هناك بعض الشخصيات المُولعة بطرح أفكارها فيما يتعلق بعملية التفاوض مع الأكراد عبر زعيم الأكراد “عبد الله أوجلان” القابع في سجن “إيمرالي”. وأولئك يسعون إلى بلورة حالة من عدم ثقة إزاء مبادرة وقف نزيف الدماء، بل والتصدي لهذه المبادرة قدر الإمكان من خلال الزعم “اللعبة لا تنتهي عند العثمانيين”. إن ذلك الزعم الرامي إلى إنتاج وعي تاريخي مختلف ومرجعية تاريخية مغايرة تجعل النظام الجمهوري امتدادًا تاريخيًّا للحقبة العثمانية إنما يعكس وجهة نظر تحريضية وانفصالية.
وإذا ما تجاوزنا عن مناقشة تبرئة العثمانيين أو شيطنتهم، نجد أن ذلك الزعم وتلك المقولة كثيرة الاستخدام لدى بعض النماذج المثقفة باعتبارها خطابًا يستهدف القضاء على القيم الأساسية المشتركة الكامنة داخل كلمة السر في عدم اندلاع حرب أهلية حتى الآن فوق هذه الأرض. وثمة فائدة في توضيح أن الوعي بالتاريخ المشترك لا يستوجب التبرئة أو الإدانة. إن التاريخ بأفراحه وأتراحه وانتصاراته وهزائمه يمثل تجربة مشتركة في مجموعه.
ودعونا نتسائل ألا يُعد ما نعيشه الآن سلخا للإنسان عن تاريخه بتأسيس دولة قومية (تركية) ومن ثم الدعوة إلى قومية أخرى (كردية) كرد فعل لها، من خلال تجاهل تجربة الوعي بالتاريخ المشترك؟ فكيف يمكن تفسير عدم سفك هذا الشعب لدماء بعضه البعض أو عدم اندلاع حرب أهلية على أرضه رغم الجراح المثخنة والدماء التي أُريقت خلال ذلك التاريخ ؟ والجواب ببساطة أن الشعب التركي أكثر تعقلاً من الدولة ومن زعمائه ومن بعض مثقفيه أيضًا.
ومن الوارد أن تتزايد في الفترة المقبلة النصائح والأفكار التي تهدف إلى تمزيق ما هو موجود من قواسم مشتركة بين أبناء هذا الشعب. تمامًا مثلما اثناء انقلاب 28 فبراير 1997 ؛ حيث تحولت علاقة الارتباطات السرية إلى علاقات إرشادية. فمن المتوقع أن تبدأ بعض الأقلام الليبرالية واليسارية في الظهور على الساحة للقيام بذات الدور.
وفي هذه المرحلة سنجد ثلاثة مجموعات أساسية واضحة ستشعر بكثير من القلق وعدم الارتياح ومعهم كذلك أولئك الذين يمسكون دومًا بالمعادلة السحرية صاحبة الحق والصواب. وأول هذه المجموعات الثلاثة، هم بعض المثقفين والصحفيين الليبراليين الذين يبدؤون حديثهم دومًا بامتداح أنفسهم بأنهم مدافعين عن حقوق الأكراد. وهؤلاء عندما يستخدمون لغة داعمة ومؤيدة إنما يستخدمونها لأنهم يعرفون ماذا يعني معارضة وقف نزيف الدماء، ولأنهم يعرفون أيضا أن ذلك سيجعلهم في موضع تناقض مع ما يزعمونه، ولعلهم أيضًا سينقلون إلى جدول الأعمال حالة “اللا حل” التي من شأنها ضمان وجودهم في الصورة. فمن ناحية سيوجهون الانتقاد إلى الحكومة دون إغفال لأن يسدوا إليها النصح والإرشاد، ومن الناحية الأخرى سيستعرضون أنفسهم بجُمل أمام حزب العمال الكردستاني وامتداداتهم السياسية، وهي جُمل شائعة الاستخدام في كل الأحوال والمواقف وتجعلهم دائمًا على حق من قبِيل “إن هذا الأمر ليس كما تعلمون”.
إن علاقة اليسار التركي بالمسألة الكردية، وهو يمثل مجموعة أخرى ذات نمط غريب وبنية أكثر تنظيمًا، إنما هي علاقة صدامية. فالقومية الكردية تمثل حنينًا ثوريًّا لدى تيار لم يفهم أي فصيل داخل تركيا، ولذلك السبب أيضًا لم تتكون لديه شعبية بين أبناء هذا الوطن. ولذلك فهم يرون هذه المسألة باعتبارها وسيلة لتحقيق ذواتهم والتدخل في السياسة الواقعية مستندين بشكل عاطفي على الجناح الأيديولوجي والقومي لدى الأكراد. وأولئك لن تكون لديهم الرغبة في انتهاء هذا الفيلم الذي يصور لديهم مشهدًا ضخمًا يعكس خيالاتهم الثورية المسلحة منذ أن كانوا في ساحات الجامعة. فهو مظهر مستتر لاستشراقية المثقف التركي …
ويبدو أن المجموعة المثقفة الكردية المؤدلجة التي تقدس أيديولوجيتها وتجعلها أعلى من حياة الإنسان ستستمر في خطاباتها التي تتحول إلى كراهية الآخر أيًّا كانت التضحيات. إنهم لم يضوا لأنفسهم إطارا واضحا ولذلك باتوا يعبرون عن موقف معارض عدمي تجاه كل شيء. فهذه المجموعة التي انسلخت عن الخلفية التاريخية وانعزلت عن الحياة وتجاهلت الإنسان، سيكشف الزمان بشكل أفضل أن تأثيرها سيظل هامشيًّا.
والخلاصة أنه إلى هذه اللحظة، هذه هي أنماط المجموعات المثقفة ذات التوجهات المختلفة خلال هذه العملية التي تتجه نحو حل المشكلة الكردية. حسنًا، ألا لهذه الاعتراضات نصيب من الحق والصواب؟ بالطبع فإننا نتحدث عن عمى أيديولوجي وحماسي يفقد كل شيء بانطلاقه من حقوق جزئية. فالاعتراضات والحقوق إذا كانت ستصبح عائقًا أمام وقف الدماء النازفة فإن هذا الوضع لا يمكن التعبير عنه سوى بالتعصب المطلق.
ينبغي البحث عن المشكلة الأساسية في الأسس المعرفية للحل. وما لم يتوفر لدى النظام تغير معرفي فعلينا ألا ننسى أن الحل سيكون حلاً مؤقتًا.
lgili YazlarArabiyah
Editr emreakif on March 2, 2013