ماذا لو عادت الحضارة الإمبريالية إلى الشرق الأوسط؟
نعود من جديد إلى الشرق الأوسط، وتفرض علينا هذه العودة مواجهة حتمية لا مفر منها. وعلى ما يبدو فإن هذه المواجهة ليست مرغوبة بأي حال من الأحوال. فلا هي تتناسب مع تصورات السلطة، ولا بمقدورها أن تداوي الجروح التي أصابت الوعي تجاه تفتت الحدود.
نحن أمام معركة جديدة في العصر الذي بدأ فيه إدراك أن الشرق الأوسط هو مشروع حاري امبريلي للمستعمر الغربي، وإدراك أن وجود الشرق الأوسط بحد ذاته مرتهن بشروط. إن هذا التدخل يهيمن على بنيتنا الفكرية والقيمية بشكل عميق تماماً مثلما ينطبق على ما نراه من خلال الشروط الظاهرية. إلا أننا في الغالب لا ندرك حقيقة أن الصراعات والتشققات التي نواجها يوميا هي من نتاج هذه العقلية ومحصلة لهذا الخيار.
فإلقاء مسؤولية كل ما يجري على القوى الخارجية والإمبريالية لا يحل المشكلة ولا يعفينا من المسؤولية.
فأساليب حل النزاع المتبعة لوقف هذه الصراعات الدموية التي نعيشها اليوم تنبثق من أساس مكونات وجود المنطقة أم مرتبطة بالحلول المستوردة ومشكلة على أساسها؟
إن الحضارة الإمبريالية التي قسمت المنطقة بهذه الحدود المصطنعة لم تكن لتتأخر في التدخل في عملية بحث إنسان الشرق الأوسط عن ذاته وتشكيله لحضارته وهوالمبعثر ذهنياً. فالأنظمة العلمانية المستبدة التي تسعى إلى عملنة الإنسان وحياته والتي ترتك إلى مشروع الدولة المدنية الحديثة لم تتمكن من البقاء في المنطقة. وفي النهاية فإن هذه الأنظمة بينما كانت تعيش عمرها البيولوجي كانت تقوم بتخريب البنية الثقافية، لتترك خلفها منطقة بعيدة عن إدراك سبب نشأتها.
فمهما اختلفت تجاربها في المدنية، فإنها تركت لدى العرب والفرس والأكراد والأتراك وغيرها من الهويات انتماءات تجعلها متصارعة داخلياً ومنقسمة على نفسها بدلا من أن تكون متوحدة فيما بينها. والتدخلات المجتمعية والثقافية كمثيلاتها من التدخلات الخارجية تترك ردات فعل غير صحية. فالانتماءات الطائفية والعرقية تظهر كنتيجة حتمية لهذه التدخلات بشكل إلحادي أو إقصائي أو متصارع.
كانت القومية العربة على مدار السنين أكثر العناصر الأيديولوجية ديناميكية في المنطقة. فما الذي حصل وكيف استبدل العرب فكرهم القومي بأساليب ذات طابع اشتراكي لينفتح الباب على مصراعيه لخلافات عميقة بين العرب أنفسهم. إن الخسائر الإيديولوجية والفكرية ونتائجها العسكرية والسياسية أفقدت العرب ثقتهم ببعضهم. وليس هذا فحسب، فالخطاب الرسمي المستفز قد ولد علاقة صراع مع شعوب المنطقة القديمين.
وعلى مدار سنوات كانت الصراعات القبلية المعتمدة على المذهب تشتد بدلا من تنمية النظرة الدينية للمذاهب على أنها تكاملية، وذلك في منطقة أقيمت فيها دول سايكس بيكو القومية باعتماد على أقليات طائفية.
وعادت العناصر المذهبية والعرقية المقموعة بالعودة إلى السياحة السياسية بمشكلات شبيهة عندما بدأت الأقليات بالمطالبة بحقوقها من قبل الهياكل التي انتهى عمرها البيولوجي.
ندرك يوما ً بعد يوم أن الصراع والفوضى التي نعيشها عن قرب ونشهدها هي سخرية التاريخ من مفهوم الحدود. فالحدود التي تفصل أحد الأحياء إلى قسمين لا تعتمد مطلقاً على الحقائق الجيوثقافية، بل تخرج علينا بنتائجها طويلة الأمد وتسبيبها لصدمة اجتماعية.
وأوضح أشكال هذه الصدمة هو وصول الشيعة إلى السلطة في العراق الذين لم يكن لوجودهم اعتبار لأعوام طويلة على الرغم من كثرتهم.
وسعياً منهم للتخلص من بقايا الحرمان الذي عانوا منه سابقاً فقد صبغوا سلوكهم السياسي بنفسية المنتقم، ويعد ذلك مثالاً نموذجياً على ما أحاول توصيفه.
وعلى الجانب الآخر من المشهد كانت المقاومة السنية أيضاً حركة قائمة على الطائفية – حيث يشكل السنة الأغلبية ويمثلون مؤسس حضارة وتاريخ المنطقة-.
إن الحضارة التي قيدت المشروع العلماني وقطعت الطريق أمام مستقبله وقطعت عنه المؤسسات التي تمثل شريان الحياة التي يمده بالحركة يلهث أبناؤها اليوم خلف الانتقام بخطاب طائفي.
يمكن تلخيص الموقف ككل على أن التشكل الكردي والسني والشيعي الذي أتى على يد الاحتلال الأمريكي للعراق هو خاسر منطقياً قبل أي شيء.
حيث تظهر المقاومة المصطنعة والمدمرة والرفضية في الأوساط التي تنهار فيها جميع الهيئات الممثليات وغير المؤهلة للوصول إلى حل أو علاج.
لتعود الهويات المقموعة وشبه المتهالكة بسبب تنامي مشاعر الوطنية، تعود إلى الظهور إلى ساحة التاريخ من جديد مع مشاعر الرغبة في الانتقام. فتتفتت القومية وتنقسم على نفسها. هذه هي الحقيقة التي سوف نراها إن تأملنا الواقع ومجريات الأحداث بنظرة واعية ومسؤولة على الرغم من سخونة الأحداث.
إن رفض فرص المنطقة يعني تهاويها أكثر، وإنكارها يدفعنا إلى مزيد من دوامات الفوضى. فأصحاب المشروع الحضاري الإمبريالي يعودون من جديد للمنطقة. يعودون ببراعة إلى الساحة مع الوعي العقيم الذي أنشؤوه في المنطقة المقسمة الأركان، ومع الانتماءات الخاسرة ومشاعر السخط والغضب والرغبة في الانتقام. ليس أمامنا سوى أن نعيد بناء المنطقة على أسس نصنعها نحن وليس على الأسس التي وضعها المتسبب في تقسيمها ودمارها. وإلا فسوف نجد أنفسنا وسط دوامة أكبر من الفوضى والألم.
lgili YazlarArabiyah
Editr emreakif on October 21, 2014