من البوسنة إلى ربيع العرب مع الفارق
إن المقارنة ما بين النقطة التي وصلت اليها البوسنة في الفترة ما بعد حدوث التفكك في يوغوسلافيا، وما تعيشه الدول العربية من أحداث الثورة، تحتل توقيتها الصحيح في هذه الأثناء.
لماذا تعتبر البوسنة بمثابة حامل للضوء في خط سير الثورات التي تحصل هذه الأيام في الوطن العربي دون غيرها ؟
بالرغم من الفروق السياسية والاجتماعية بين أحداث الثورات العربية الحالية وما عايشته البوسنة من أحداث، إلا أن فهم العوامل الخارجية التي فرضت توقيع اتفاقية دايتون لهو أمر يشرح الثورات العربية بشكل واضح.
دعونا في البداية نعيد استذكار الأحداث التي حدثت في البوسنة. فقد كانت البوسنة أكثر المناطق مأساوية في فترة تفكك يوغوسلافيا. فالبرغم من الجهود الكبيرة التي كان يبذلها المرحوم آليا لتوحيد يوغوسلافيا إلا أن تطرف الصرب في نظام إدارة بلقراد طغى على الموقف وسط سياسة الصمت والتغطية من الغرب وأمريكا الأمر الذي شجع على القيام بمجازر بشعة في قتل مسلمي البوسنة.
أوروبا التي كانت تشاهد هذه المجازر وكأنها تدعم الصرب في قتل المسلمين كانت عاجزة في الوقت نفسه حتى عن استدراك الموقف الداخلي. العجز السياسي والعسكري عن استدراك الموقف اضافة الى الإتجاهات غير الأخلاقية جائت ترجمتها بحدوث هذه المجازر ما أدى إلى دفن الفكر الأوروبي في البوسنة.
أمريكا والتي أظهرت فشل أوروبا في استدراك الموقف تدخلت بعد ثلاث سنوات من تواصل المجازر في البوسنة لتلقن أوروبا درسا مثبتة أنها حاكم المنطقة المسيطر. وفي الواقع فإن بشاعة المجازر جعلت العالم يتمنى أن يتوقف سيل الدماء بأي وسيلة كانت ومن طرف أي قوة عالمية بغض النظر عن من تكون.
كان من المدرك في طبيعة الحال أن أمريكا ستظهر أمام العالم في وقت لاحق بعد الأحداث بعباءة المنقذ للبوسنيين المسلمين من مجازر التطهير العنصري. وجاءت اتفاقية دايتون لتكافئ المعتدي وتعاقب صاحب الحق بطريقة غير مباشرة بحجة فرض السلم في المنطقة. وخاصة أن الاتفاقية تضمنت بندا ينص على ترك البوسنة مفتوحة لأي تدخل أجنبي.
تعيش البوسنة في هذه الأيام أشد أزمة سياسية من منذ تأسيسها. فالفترة التي تصارع من انتزاع استقلالها من الحكومة الصربية التي ترفض ذلك، تعاني من ازمة الحكم الذاتي للأقليات الكرواتية الصربية. وهذا يشكل أزمة كبيرة بالنسبة لبوسنة. حيث تقوم الحكومة الصربية بدعم هذه الأقليات في مناطق عيشها باستثناء البوسنيين ما يشكل تفريقا كبيرا يؤدي الى تفكك البوسنة.
في السنة الفائتة رحل عن الدنيا من شيد اتفاقية دايتون هالبروكي الذي ظهر وكأنه ملاك للسلام بعد أن قام بتهديد العساكر البوسنية بضربها بالقنابل ان هي لم تتوقف عن التقدم في القتال لتحرير أراضيها كما سمعت ذلك من فم رئيس الأركان البوسنيي. وفي نهاية المطاف شرّعت الأبواب للقوات الأمريكية للتدخل بحجة انقاذ الوضع، ليكون ذلك بمثابة مكافئة للظالم والمعتدي وعقوبة لصاحب الحق اذ أنشأت حكومة بوسنية تفتقر الى نظام دولة حقيقي يساعدها على تدبير أمورها. وبالنظر الى ما حصل في كوسوفا أيضا فانه من الملاحظ أن أمريكا كانت تخطط لإنشاء أكبر قوة لها في شرق أوروبا، وبالتالي يمكن لنا بالنظر الى ذلك فهم الموازنات العسكرية والسياسية التي يتم تسييرها في المنطقة.
في بداية الثورات العربية فان ما يشابه أجواء الربيع حدث المنطقة خصوصا بنجاحها في تونس ثم في مصر في وقت تظهر فيه الثورات العربية في سوريا وليبيا بشئ من الفشل.
فما بات سرا القول بأن ليبيا تركت في وضع تحتاج فيه للتدخل الخارجي فيما يعرف ب”التدخل الليبرالي” لايقاف سيالات الدماء. حتى أن المخالفين الليبيين بالرغم من أنهم أصحاب الحق إلا أنهم يبدو أنهم أوقعو في حال تشكك في مصداقيتهم الأخلاقية. وكما حصل في أحداث البوسنة فان التدخل الخارجي يفرض سيطرته على ليبيا على أنه المنقظ لها من الأوضاع المأساوية التي تعيشها.
ما تقوم به أمريكا من الظهور بمظهر المنقذ الذي يمد يد العون لشعب يعاني من القمع والقتل والاتنهاكات يذكر بما قامت به من قبل في البوسنة. حيث يعطي ذلك المشروعية لجنودها لدخول ليبيا تحت راية انقاذ الشعب الليبي من المجازر. إن ما يقوم به حلف الناتو هو عملية استعمار تحمل شعار “مهمة انسانية” تحت مسمىR2PResponsility to Protectأي المسؤولية بالحماية ما يكسب الحلف المشروعية المطلوبة لدخول ليبيا.
ان الخطر المتوقع على ليبيا في الفترة الأخيرة هو أن تصبح نقطة عسكرية للغرب في افريقيا. وفي نفس الوقت ترى من يلوّح بأعلام فرنسا ويستقبل أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي واحدا واحدا و يجبر على التوقيع على اتفاقيات سحب النفط ” بتوافر شروط أفضل” من داخل الثوار الليبيين. لا يستطيع أحد أن ينفي كون ذلك مأساة حقيقية. إن الأوضاع التي يعيشها الشعب الليبي من انهيار في البعد السياسي لديه في وقت يحاصر ويضيق عليه ما بين سياط بطش القذافي وطموحات الغرب الاستعمارية ليجبرنا على الحديث عن المأساة بدماء باردة. ولا أحد يضمن عدم رغبة الغرب في تكرير السيناريو نفسه في سوريا مع الفارق. في الوقت الذي تبدو فيه بعض المؤسسات لا تسدي انتباها للخطر الذي يجعلها ضحية شجع أمريكا والغرب بدوام استبدادها العسكري وزرع الإستعمار على أراضيها بعد القضاء على الأنظمة السياسية في المنطقة.
lgili YazlarArabiyah
Editr emreakif on June 7, 2011