هل السلام يحرر القدس؟
في الوقت ذاته أقر الكنيست الإسرائيلي قرارا يقضي باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي. و بالطبع فان هذا القرار لا يعني إسرائيل وحدها بل يخص المسلمين و المسيحيين علي حد سواء.
لذلك لابد أن نقف عند هذا القرار قليلا لأنه مبني علي قرار إسرائيلي سابق يقضي بعدم تقسيم القدس إلي قدس شرقية و قدس غربية، و يعتبر المدينة بكاملها عاصمة لدولة إسرائيل. و من المعروف أن إسرائيل قامت بعد قرارها القاضي بعدم تقسيم القدس بنقل الكنيست من عاصمتها، التي اعترفت بها الأمم المتحدة، تل أبيب إلي القدس لتؤكد أن القدس عاصمتها الفعلية. و بذلت إسرائيل، بعد هذا القرار، قصاري جهدها لإقناع الدول المعترفة بها في نقل سفاراتها إلي القدس، و ما زالت المحاولات مستمرة.
و عندما استولت إسرائيل علي القدس الشرقية، التي تعتبر مركزا دينيا و تاريخيا هاما، عام 1967 قامت بتنفيذ سياسة تهويد المدينة بطرد السكان العرب منها، و أرادت بذلك فصل القدس جغرافيا عن الأراضي الفلسطينية. و لا تزال هذه السياسات مستمرة حتى يومنا هذا؛ فبناء المستوطنات حول القدس بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية و جغرافية ما هو إلا جزء من هذه السياسات.
إن الادعاءات الإسرائيلية بان القدس عاصمة للشعب اليهودي ادعاءات باطلة، بدأت بعد احتلال إسرائيل للقدس عسكريا. و هذه الادعاءات هي اللبنة الأولي التي يقوم عليها الاستعمار الصهيوني، و هي لا تستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل إنها تشعل فتيل النزاعات الدولية. فالقدس لا تخص العرب وحدهم بل هي مركز تاريخي و ديني لكل المسلمين، كما أن الوضع الحالي للمدينة يزعج المسيحيين في العالم أيضا.
حتى وقت قريب كان العالم ضد فكرة القدس عاصمة لإسرائيل أما بعد القرار الإسرائيلي القاضي بان القدس عاصمة للشعب اليهودي، فسيكون الجدل الآن حول ما إذا كانت القدس عاصمة لإسرائيل وحدها أم للشعب اليهودي بأسره.
نحن الآن أمام مخطط إسرائيلي لجعل القدس عاصمة لإسرائيل، و ليس عاصمة للشعب اليهودي.
ربما يتساءل البعض عن علاقة هذا القرار الإسرائيلي الأخير بالمفاوضات التي بدأت بين سوريا و إسرائيل بوساطة تركية. و هنا أريد أن أشير إلي أن قرار الكنيست و قرار التفاوض مع سوريا مرتبطان بشكل وثيق علي الأقل بمسألة التوقيت؛ فبعد أن وقعت إسرائيل اتفاقيات سلام مع مصر و الأردن، أصبحت سوريا و حزب الله الذي يتلقي دعما من الأخيرة يمثلان تهديدا علي أمنها.
و بالرغم من أن هناك خلافا حول القدرات العسكرية السورية إلا أنها قوة لا يستهان بها. و في المقابل فان التهديدات الأمريكية لسوريا و العزلة الدولية المفروضة عليها تضعفها أمام إسرائيل.
إسرائيل لا تُبالي بنجاح المفاوضات أو فشلها، أهم شئ هو أن القضية الفلسطينية و قضية القدس تغيب عن الرأي العام العربي. و ربما يغيب أيضا عن أذهاننا الفلسطينيين الذين قسمتهم إسرائيل إلي قسمين و الحصار في غزة و احتلال الأراضي الفلسطينية بالقوة و مفاوضات السلام التي جرت بين إسرائيل و العرب.
لقد انشغل الرأي العام التركي و العالمي بمفاوضات السلام السورية الإسرائيلية. فهل هناك من سيتحدث عن القدس؟ علما بان شرط إسرائيل الأساسي لإقامة سلام مع سوريا، كما جاء في الصحف وو سائل الإعلام، هو أن توقف سوريا دعمها لحماس و حزب الله.
إسرائيل لم تستطع أن تقضي علي الانتفاضة الفلسطينية بالطرق العسكرية، فتحاول الآن أن تقضي عليها بالطرق الدبلوماسية؛ بقطع الدعم و المساعدات و أن تجعل المقاومة الفلسطينية في عزلة تامة. كما أن القيادة السورية ليس لديها أي مانع للتخلي عن جماعات المقاومة الفلسطينية ومنها حماس. و من يتوهم أن سوريا لن تتخلي عن المقاومة فيكفيه أن يلقي نظرة علي تاريخ القيادة السورية.
فبدلا من الحديث عن رغبة اسرائيل في إبرام اتفاقية سلام مع سوريا أو عدم رغبتها، لابد من التمعن في نوايا إسرائيل من وراء هذا السلام. و هنا سؤال يطرح نفسه، هل المفاوضات ستحرر القدس؟
لقد بادرت إسرائيل باتخاذ خطوة خطيرة تجاه القدس من شأنها تمكين الاحتلال الصهيوني فيها، هذا بالرغم من أن الأطراف المتفاوضة لم تصل إلي أول نقطة في طريق السلام، و نحن الآن أمام سؤال آخر، هل يمكن أن يكون هناك سلام بدون تحرير القدس؟
ترجمة: عبد الله ايدوغان قالاباليق
lgili YazlarArabiyah
Editr emreakif on October 18, 2008