هل هي مرحلة “ما بعد- القاعدة”؟
كانت المرحلة التي بدأت بتفجير برجي مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة هي الإعلان الفعلي عن تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط بل وفي العالم الإسلامي. إن الأجوبة التي سنقدمها عن أسئلة من قبيل ممن يتكون تنظيم القاعدة أو يمثل من؟ ربما تكون مختلفة بعض الشيء. بل يمكن أن نناقش أيضا وجود هذا التنظيم من عدم. والثابت لدينا أننا كنا شهودا على أن تنظيم القاعدة قد تم موضعته من خلال الولايات المتحدة وآلتها الإعلامية كممثل للمقاومة ضد حركة الحصار التي دشنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
فكل من عارض الخطاب الأمريكي باحتلال أفغانستان، وإسقاط الديكتاتور صدام أو تحرير العراقيين قد تم تسجيله في قائمة تنظيم القاعدة. والحقيقة أنه قد تم جمع كل حركات المقاومة المنتظر ظهورها بشكل طبيعي في كل بلد يتعرض للاحتلال مثل أفغانستان والعراق داخل بوتقة القاعدة، بغض النظر عن وجود بناء تنظيمي حقيقي يحمل اسم القاعدة من عدمه.
والغالب أنه كانت هناك رغبة في نشر موجة القاعدة داخل العالم الإسلام لتكون إطارا يضم بداخله كل القوى المعارضة للسياسات الأمريكية في المنطقة. وتم تصوير هذا التنظيم لدى العرب باعتباره يمثل العالم الإسلامي، وبكونه بناء يهدم كل كيان آخر يخالفه الرأي. وفي تلك الفترة تم تنفيذ الكثير من الاعتداءات والهجمات البشعة في كثير من الأماكن لإضفاء المشروعية على المفهوم الأمريكي لخطر الإرهاب.
ولم تتوقف أعمال العنف لمدة عشر سنوات كاملة، تلك الأعمال التي تستهدف إضفاء الشرعية وتوفير المبرر للاحتلال العسكري الأمريكي تحت راية “الحرية في الشرق الأوسط”. وبينما كانت واشنطن تعيد تنظيم العراق وأفغانستان على الوجه اللازم وجدنا أن تنظيم القاعدة يتبخر ويتلاشى.
لقد عشنا مرحلة تم فيها اختزال الصراع مع الغرب في مفهوم أضحى يمثله تنظيم القاعدة، وتراجعنا عن مستوى الصراع الثقافي، وصرنا نمثل لدى الحضارة الغربية صورة المتآمر على المفاهيم والرؤى البناءة الإصلاحية. لقد أريد لنا أن تتحول إلى رد فعل يمثل العنف الفوضوي. والحقيقة أنن لست ممن يقللون من روح العصيان والتمرد على تجربة لم تترك خيارا آخر غيرها أو تبرر ردود أفعال القاعدة (وأذكر هنا مرة أخرى أننا نتحدث عن رمزية مفهوم وليس عن وجود تنظيم للقاعدة). إن تلك الفترة هي الفترة التي أصبحت فيها ردود الأفعال الناجمة عن مناخ مشروع تنظيم الشرق الأوسط الذي بدأ مع الحادي عشر من سبتمبر ردود أفعال رائجة الاستخدام والاستعراض في وسائل الإعلام، وهي الفترة التي أضفت المشروعية على مشروعات الاحتلال الأمريكي وحملته لنشر الديمقراطية، وجعلت مستقبل الأمة رهن هذه الأحداث التي لا يخفى فاعلها الحقيقي.
أما موجة الربيع العربي فيمكن أن نسميها بفترة “مابعد-القاعدة”. فهي موجة جديدة أكثر تعقلا تحظى بدعم الغرب بديلا عن الرمزية العنيفة لتنظيم القاعدة. .. وفي تلك المرحلة الجديدة يراد لنا أن نؤمن بأن الشرق الأوسط سيصبح حرا ويتخلص من دكتاتوريته عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعي بدلا من استخدام الأسلحة. فبالقدر الذي انهزمت به الولايا المتحدة في العراق، فإنها قد تطرد أيضا من مصر. وثمة فائدة في أن نقرأ شفرات هذه المرحلة من هذه الزاوية.
وإننا إذ نعتقد بأن الشرق الأوسط قد انتقل إلى مرحلة ما بعد القاعدة، فإن مرحلة القاعدة لم تنته بعد في أفريقيا ولعلها ستبدأ مرة أخرى. فالأحداث في مالي تدفعنا دفعا إلى التفكير في الأحداث من بعديها الثقافي الاجتماعي، والسياسي الاجتماعي بخلاف تيار السلفية بمعناه الديني. فما الفرق بين عودة فرنسا للاستعمار وسط التصفيق والتهليل وبين الحرب الصليبية الأمريكية التحريرية؟
إن العالم الإسلامي يحتاج دائما إلى معارضة أصيلة أكثر عمقا وحماية له. وأعتقد أن هذه الإمكانات متوفرة لدى العالم الإسلامي دائما. المشكلة هي التضحية بهذه الإمكانات في معارضة زائفة.
ويمكن أن يكون هذا الخبر مؤشرا على المرحلة الجديدة: أعلام فرنسا ترفرف في تمبكتو ، ولافتة عليها “شكرا هولاندا” معلقة على مدخل غاو.
lgili YazlarArabiyah
Editr emreakif on February 2, 2013